قانون الأحوال الشخصية والزواج المدني! ضحاياه الذين لم تأتي سياسة على ذكرهم

 

بقلم ريما صقر

زواج باطل

تعاني المجتمعات التي تحكمها الديكتاتوريات من غياب كافة حقوق الإنسان التي نص عليها الإعلان العالمي في ضمان الحقوق الإنسانية. بعيدا عن جميع أشكال التمييز على أساس الجنس، وذلك نتيجة السلطة الذكورية المستمدة من إرث تاريخي قديم بعد انتهاء عصر الأمومة. الارث الذي تم استخدامه من قبل الحاكم ورجل الدين بما يوائم سلطتهم

ورغم اقرار اتفاقية إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة (CEDAW) عام 1979 والتي تم تنفيذها عام 1981 الا ان هذه المجتمعات كان لها الكثير من التحفظات عليها بحجة أنها تخالف الشريعة الاسلامية

سوريا التي يطلق عليها الكثيرين صفة العلمانية كان لها ايضا تحفظات كثيرة على هذه الاتفاقية والسبب ذاته ( مخالفة الشريعة الإسلامية )، ففي سوريا اليوم يخضع تطبيق القانون بشكل عام وقانون الأحوال الشخصية بشكل خاص لسلطة رجال الدين وفتاويهم، من احد هذه القوانين * عقد الزواج * الذي يعد باطلا حين يكون بين مسلمة وشخص من ديانة أخرى، في حال لم يشهر اسلامه ويقدم دليل على هذا الاشهار، فهذا باعتقادهم ارتداد عن الدين الإسلامي، بينما يُرحب بزواج مسيحية من مسلم لان ذلك سيتم حسب الشريعة الإسلامية ويزيد من عدد المسلمين، غير انه ايضا لا يتوافق مع الكنيسة التي تعتبر ان هذه الفتاة تركت المسيحية وأصبحت مسلمة. فقبلت دينا اخر هو مرفوض بحسب زعمهم. هذا مختصر قصص الاف من النساء السوريات التي سأروي قصة احداهن بتفاصيلها مع فساد المجتمع وفساد القانون، وكما روتها تماما

انا فتاة من إحدى قرى حماه، عمري  40 عام. تزوجت منذ 11 عام من شخص مسيحي ارمني، مقيم في ريف حلب حيث كنت اعمل، كان الزواج بعقد زواج خارجي لدى محامي، علمت فيما بعد انه لا يمكن تثبيته في المحكمة الشرعية

بعد بداية الثورة في سوريا

نتيجة هذا الزواج طفل يبلغ من العمر اليوم 11 عاما، لا يحظى بأي من الحقوق المدنية. لأنه غير مسجل في سجلات الدولة. لا استطيع نسبه لوالده لكونه مسيحي ولم يشهر اسلامه. قمت برفع دعوى لتثبيت الزواج عندما عدت إلى المدينة التي يقطنها اهلي ومثلت امام القاضي، لكن القاضي اهانني وقذف بورقة عقد الزواج في وجهي ورفض الاعتراف بالعقد حتى. حاولت ان اقوم بتوكيل محامي، كثيرون رفضوا، إلى ان قبل احد المحامي استلام القضية والترافع عني. وتقدم بطلب دعوى تثبيت زواج وتثبيت نسب إلى المحكمة. الدعوى ايضا استمرت عامين كاملين دون اي جدوى. وتم اغلاقها بامر من القاضي. وتم الفصل بها ان هذا الزواج باطل، لا اساس له في الوجود كونه بين مسلمة ومسيحي، لم يشهر اسلامه، ونحن الذين كنا ننتظر من القاضي ان يقضي بان الزواج فاسد، اي يتم تثبيت نسب الطفل حتى لو لم يتم تثبيت الزواج. وفي هذه الحالة استطيع اخراج دفتر عاذلة لطفلي يتم فيه تثبيت اسم طفلي ولقبه مع لقب والده ووالدته انا. لكن القاضي رفض تماما ان يحكم بان الزواج فاسد، وانما اصر على بطلان الزواج، واعتباره حالة زنا وبالتالي فإن الطفل هو (ابن زنا)

كان لذلك القرار تبعات على طفلي اولها عندما حاولت تسجيله في المدرسة، عندما بلغ 6 اعوام، في البداية استفدت من القانون الذي صدر خلال الحرب وبسبب نزوح كثير من العائلات مع اطفالها إلى اماكن امنه أخرى في سوريا بدخولهم المدرسة دون اوراق ثبوتية، كان ذلك في الصف الأول والثاني، وفي الصف الثالث ارسلت لي المدرسة دعوة لسؤالي عن الاوراق الثبوتية الخاصة بطفلي، لذلك اضطررت ان ألجأ لطرق أخرى كما يقال(من تحت الطاولة) ودفعت رشاوى للقاضي ليعطيني ورقة تثبت ان لقب ابني على لقبي، من اهلي. طبعا هذا التسجيل غير نظامي قمت به فقط حتى استطيع عمل اخراج قيد مدني لطفلي لأرسله للمدرسة

في المدرسة انصدم جميع العاملين هناك. حين قدمت لهم اخراج القيد، فكيف بات ولدي يحمل لقبي الان. هذا الامر خلق ارباك في سجلات المدرسة، لكنني اخبرتهم ليس لدي حل اخر الان. واضافت… تخيلي ان القاضي رفض الاعتراف بالزواج وانقاذ طفل، بسبب الدين، لكن الدين لم يمنعه ان يأخذ رشوة ليغير في السجلات. اما بالنسبة للمجتمع، البعض رفضوا الفكرة واعتبروها انها منافية للدين الإسلامي، وصرحوا ان ما قمت به هو حالة زنى

البعض الاخر تعامل مع الفكرة انها مقبولة نوعا ما لتشجيع المرأة ان تمنح اسمها لطفلها كحالة اختيارية وليست اجبارية، كما هو الحال في دول اوروبا. مع العلم ان عقد الزواج كان عقد نظامي تماما، ومحدد فيه المهر وبحضور الشهود. ويجب ان تحكم المحكمة به لصالحي انا، فهو عقد زواج اسلامي، لكن بسبب اسم الزوج وبياناته عُرف انه مسيحي فتم رفض العقد

وهنا اريد ان اخبرك بأمر اعلمني به المحامي الخاص بي. هناك ألاف الحالات المشابهة لحالتي هذه، وكثيرات منهن لم تستطع رفع دعوى بالمحكمة خوفا من الفضيحة، وبقي الاطفال مكتومي النسب. او القيد

طبعا فيما بعد قدم لي المحامي حلين

 الأول: نقوم بفتح الدعوى القديمة من جديد وهنا يترتب علي بشكل شخصي ان يتهمني القانون بالزنى ويتم سجني، ولا أعلم مدة الحكم، ليتم تثبيت نسب الطفل لوالده، لكن هنا نحتاج إلى وجود الاب او احد من عائلته الرافضين وجودنا تماما في حياته وتبليغهم ان استطعنا الوصول اليهم، ورغم اني سأسجن الا انني اخبرت القاضي ان لا مشكلة لدي فالقضاء والقانون فاسدين، لكني فقط اريد تثبيت نسب طفلي

الحل الثاني: ان ألجأ إلى احدى الكنائس  انا وطفلي واقوم بتغيير ديانتي وتتم عمادة طفلي وهذا سيكون له ارتدادات سلبية بالنسبة لي كوني اعيش في مجتمع اسلامي، وسيتم اهدار دمي.

من ناحية اخرى زوجي وبسبب تسلط الكنيسة بات لديه بعد ذلك موقف سلبي مني ومن الطفل ولم يعد يريد الاعتراف بهذا الزواج. فالمؤسسات المسلمة لا تقبل المسيحين، كذلك المؤسسات المسيحية لا تقبل المسلمين. ولتأكيد ما اقوله، اخبرك انني حاولت الاتصال بزوجي السابق بشتى الطرق دون نتيجة، الا من حوالي شهرين قمت بمحاولة اتصال ورد على الهاتف، لم يميز الصوت في البداية. فتركته يتحدث إلى طفلنا، طبعا طفلي انصدم، كيف يكون هذا بابا، هذا السؤال طرحه عليّ لاحقا.. هو تحدثنا الينا بود. واخبرني انه سيبقى على اتصال معنا بعد ان علم انني لم اتزوج. ولم اسافر خارج سوريا

بعد اسبوع حاولت طلب الرقم مرة أخرى لكنه كان غير موجود بالخدمة. هذا دليل انه لا يريد التواصل معنا بسبب الكنيسة والحرب التي شنتها على هذا الزواج. هم يعتبرون واقصد هنا الكنيسة اننا متنا او غير موجودين، لانهم لا يريدون تقبل شخص اخر من خارج ديانتهم

الان انا اريد ان يحظى طفلي بحقوقه فقط. لا ابحث عن امر آخر. طفلي نشأ في منزل عائلتي، والدي هو من اخذ دور الاب، واذكر في إحدى المرات حين كان طفلي صغير، كنت انادي والدي بكلمة( بابا)، فصرخ طفلي. لا هذا والدي انا وليس والدك.  ايضا والدي يعتبر طفلي كولد له. لكن بالنهاية طفلي له حقوق وعلى القانون ان يمنحه اياها

انا اليوم اقول لكِ المجتمع والدولة وزوجي السابق الذي هو والد طفلي اساؤوا لطفلي سوية

وتضيف… تأكدي ان مشكلتنا الاساسية هي تدخل الاديان في حياتنا الشخصية. انا واحدة من آلاف النساء كما اخبرتك منذ البداية. كثيرات من فُرض عليهن واقع لا يريدونه بسبب تدخل الدين حتى بطريقة الزواج. لماذا لا يكون لدينا زواج مدني يستطيع فيه الطرفان اختيار شريك حياتها بكامل حريته

اريد ان اخبرك ايضا، انني حاولت مع المحامي ان يساعدني في ايجاد كنيسة تتبناني مع طفلي وتساعدني في العمادة لي ولطفلي. لكن المحامي اخبرني. ان عمادتي انا مستحيلة هنا في سوريا، خاصة في الوقت الراهن لا يمكن ان تتقبل إحدى الكنائس الموضوع اما بالنسبة لطفلي فمن الممكن ذلك، باعتبار والده مسيحي

ومع ذلك حاولت واتصلت بكنيسة بحلب واخبرت الراهب بمشكلتي وما اريد في النهاية، فما كان منه الا الصراخ قائلا هذا لا يجوز واغلاق سماعة الهاتف في وجهي. طبعا ان اقدر ظرفه، فربما هو يتعرض للقتل ان حدث هذا الامر

هكذا هي حياتي اليوم. اعيش في دائرة مغلقة. ابحث عن حل ولا اعلم متى او كيف او اين اجده

في النهاية

اترك بين ايديكم الموضوع، وأتوجه إلى الجمعيات النسائية في العالم. ومنظمات حقوق الانسان..  لأقول هذا حال المرأة السورية. نحن لا نريد الا حقوقا مشروعه ضمن قانون يحمي حياتنا  ويبنيها بشكل سليم

واتمنى لو نستطيع الوصول إلى احدى المنظمات العالمية للوقوف عند هذه الحالات والمساعدة في حماية هذه النساء والاطفال

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إيديولوجيا اللا إيديولوجيا، فكرٌ رقميٌّ منْ دونِ هوية!

مظاهرات كوبا... برهان آخر على بعد الستالينيين عن الماركسية