مظاهرات كوبا... برهان آخر على بعد الستالينيين عن الماركسية

 


بقلم:  وسام أبو حسون


تَشهدُ كوبا منذُ عدةِ أيامٍ احتجاجات ضدّ الأوضاعِ المعيشيةِ الخانقةِ الّتي تُعاني منْها البلادُ منذُ زمن. 


قالَ أحدُ المتظاهرينَ:

 نحنُ ننتفضُ ضّد الفقرِ وَ الجّوعِ والأوضاعِ المعيشيةِ السّيئةِ،  هافانا تعيشُ أسوءَ أيامِها وَ نحنُ لا نملكُ منازلًا ننامُ بِها في حينِ يقومُ الأغنياءُ بِبناءِ الفنادقِ وَ البيوتِ والقصور". 

كَالعادةِ، الأحزابُ الشّيوعيةُ التقليديةَ " السّتالينيّة" أخذتْ موقفَها الرّجعي وَ وضعتْ كلّ الحقّ على الإمبرياليةِ العالميةِ وطالبتْ فوراً بِفكِّ الحصارِ عنْ كوبا وَ هذا ليسَ بِغريبٍ عنْ هذهِ الحركاتِ لِكونِ أنّ السّتالينيّةَ أجهضتْ حركةَ الطّبقةِ العاملةِ على المستوى الوطني وَالعالمي. نحن بالطبع ضد العقوبات الإمبريالية الغربية على الشعوب وَ لكنْ! ماذا لو لمْ يكنْ هناكَ حصارٌ على كوبا؟  هل كان الكوبيونَ سيعيشونَ حياةً أفضل؟  كيفَ يمكنُ أنْ تنطلقَ مظاهراتٌ عماليّةٌ ضدّ دولةٍ تُسمي نفسَها دولةَ العمال؟ لو كانتْ الثّورةُ الكوبيةُ الّتي قادَها "فيديل كاسترو" قدْ أنتجتْ فعلًا ثورةَ عمالٍ،  لما وجدْنا اليومَ أنّ الطّبقاتِ المضطهدةِ تثورُ على هذهِ الدّولة،  وَ إنّما كانوا سوفَ يدافعونَ عنها بِشراسة، سيناريو يذكرُنا بِالأعوام 89-1991 عندما انهارَ الاتحادُ السّوفيتي السّتاليني. 


هلْ دافعَ العمالُ في روسيا وأوروبا الشّرقيّة عنْ أنظمةِ الحكم؟


 لمْ نشهدْ هذا أبداً، فَالعمالُ لمْ يدافعوا أبداً عنْ أنظمةِ الحكمِ هناكَ،  وَ لمُ يحموها منَ الانهيارِ وَ منْ قامَ بِذلكِ همْ أجهزةُ السّلطةِ،  كما فعلَ البوليسُ السّري لِلديكتاتورِ الرّوماني "شاوشيسكو"  حيثُ كانوا همْ منْ دافعوا عنْ نظامِ الحكمِ وَ الدّولة. 


هلْ كانتْ ثورةُ "فيديل كاسترو" ماركسيّة؟


لمْ تلعبْ  الطّبقةُ العاملةُ و لا الفلاحونَ في ثورةِ "كاسترو"   أيّ دورٍ في الحراكِ الثّوري، حيثُ كانَ عبءُ الثّورةِ يقعُ فقطْ على 62 رجلاً منَ الطّبقةِ الوسطى ممنْ بدأوا نضالَهم ضدّ حكمِ "باتيستا"  وَ استطاعوا ملءَ الفراغِ في ساحةِ النّضال.لمْ تكنْ الثّورةُ في كوبا صراعًا بينَ الطّبقاتِ المضطهدةِ وَ الرّأسماليين وَ الإقطاعيين،  لمْ يستطعْ "كاسترو"  حقيقةً تعبئةَ البروليتاريا الصّناعيةَ حيثُ فشلَ بِدعوتهِ لِلإضرابِ في التّاسعِ منْ إبريل عامَ 1958، وَ ذلكَ بعدَ حوالي السّنةِ ونصفٍ منْ اندلاعِ الثّورةِ، وَ قبلَ أقلِ منْ سنة على سقوطِ الديكتاتورِ الكوبي "باتيستا"،  كانَ الفقراءُ مازالوا غيرَ مهتمينَ وَ الشيوعيونَ مُدمرين.لقدْ قاتلَ "كاسترو" وَ عصبته المثقفةِ منْ أجلِ السّلطةِ وَ تناسى تماماً فكرةَ التّغييرِ منَ الأسفلِ،  حتّى أنّ أشهرَ اسمٍ في الثّورةِ الكوبيةِ  "أرنستو تشي غيفارا"  الّذي تركَ منصبهُ كَوزيرٍ لِلصناعةِ وَ ذهبَ لِلقتالِ في بوليفيا  وقال "لِكاسترو": 

ليستْ هذهِ هيَ الماركسيةُ الّتي قاتلْنا منْ أجلها.



الاشتراكيةُ منَ الأسفلِ روحُ الماركسيّةِ التّائهةِ بينَ الطّبقاتِ الفقيرة:


كتبَ  الفيلسوفُ  وَ المفكرُ الاشتراكي الأمريكي "هال درابر"  في كتابهِ روحا الاشتراكية و الّذي أعملُ على ترجمتهِ لِلّغة العرّبيّة:

"إنّ جوهرَ الاشتراكيةِ المطبقةِ منَ الأسفلِ إلى الأعلى هوَ رؤيتُها القائلةَ بِأنّ الاشتراكيةَ لا يمكنْ أنْ تتحققَ إلّا منْ خلالِ التّحررِ الذّاتي لِلجّماهيرِ النّشطةِ في الحراكِ الّذي سيصلُ إلى الحرّيّةِ عنْ طريقِ أيديهم وَ تعبئتِها "من الأسفل" في صراعٍ منْ أجلِ تحملِ مسؤوليتهمْ في تقريرِ مصيرِهم كَممثلينَ ( ليسوا فقطْ موضوعاتٍ) على مسرحِ التّاريخ.  يجبُ أنْ يتمَّ تحريرَ  الطّبقاتِ العاملةِ منْ قبلِ الطّبقاتِ العاملةِ بِذاتِ نفسِها. هذهِ هيَ  الجّملةُ الأولى الّتي كتبَها "ماركس" لِلأمميةِ الأولى، وَهذا هو المبدأُ الأولُ في مسيرةِ حياتهِ. إنّ مفهومَ الاشتراكيةِ منَ الأعلى هوَ الّذي يبررُ قبولَ الشّيوعيةِ الدّيكتاتورية كَشكلٍ منْ أشكالِ الاشتراكية." 


منْ هُنا يمكنُنا الانطلاقَ إلى فكرةِ الاشتراكيةِ عندَ الماركسيين، وَ الاشتراكيةُهيَ عملٌ مشتركٌ يجري تطبيقهُ منَ الأسفلِ وَ ليسَ أنْ تقومَ بِالثّورةِ الاشتراكيةِ فئةٌ منَ المثقفينَ أو الأرستقراطيينَ أو صغارِ البرجوازيين،  أو حتّى المعارضينَ الغيرِ مُستفيدينَ كونَ نهايةُ المطافِ هيَ تغييرُ الأشخاصِ الّذينَ سوفَ يستبدّونَ الشّعبَ وَ ليسَ الاستبدادُ بِذاتِ نفسه. 

منْ أكملَ على هذهِ المقولةِ "لِكارل ماركس"  وَ وضعَها في حيزِ التّطبيقِ العملي كانَ الاشتراكيُّ الرّوسي "فلاديمير لينين"،  عندما أكدّ أنّ الثّوراتِ لها شروطٌ لِلاندلاعِ وَ النّجاحِ تبدأُ منَ الأزمةِ المجتمعيةِ العميقةِ،  وَ تنتهي بِوجودِ حزبٍ ثوري قادرٌ على قيادةِ الانتفاضةِ الشّعبيةِ وَ تعبئةِ كافةِ المضطهدينَ وَ الفقراء وَالأقلياتِ الدّينية وَالعرقية وَ الاثنية وَ المرأة وَ الفلاحين وَ العمال. 


ما حدثَ في كوبا هوَ عمليةُ "استبدالٍ" حيثُ أخذتْ الطّبقةُ المتوسطةُ على عاتقِها تحريرَ المجتمعِ الكوبي، وَ لعلّ خطري "الاستبدال" وَ "الانتهازية" هما أكثرُ ما حذَرَ منهما المفكرُ لاشتراكي البريطاني "توني كليف" في كتابهِ "الثّوراتُ والثّورات المضادة" بِأنْ يقعَ الحزبُ الثّوري في مصيدتِهما. منْ وجهةِ نظرِ الاشتراكيةِ الأممية فَإنّ ما قامَ بهِ "فيديل كاسترو" في كوبا ليسَ ثورةً اشتراكية منْ وجهةِ نظرِ ماركسي حقيقي وَ عليهِ فَإنّ ما تمّ بناؤهُ فيما بعدْ لا يتجاوزُ كونَهُ نظامَ رأسماليةِ دولةٍ  قامتْ بِدمجِ الطّبقةِ البرجوازية بِجهازِ الدّولةِ البيروقراطي،  لِتثبيتِ أركانِ حكمهمْ تحتَ مسمى مُحاربةِ الإمبريالية.


 بعدَ سقوطِ السّتالينيةِ في أوروبا الشّرقية وَ الغربية وَ العالمِ العربي تسقطُ الآنَ في كوبا وَ أمريكا اللاتينيةِ، وَ لعلّ ذلكَ بعدَ سنواتٍ  يكونُ أكبرَ مشكلةٍ لِلرأسماليةِ كونَ أنّ البديلَ الاشتراكي الحقيقي الّذي قضى عليهِ "ستالين" وَ اتباعهِ سوفَ يصبحُ متاحًا لِلجّماهيرِ المُضطهدةِ حولَ العالم. 


وَعلينا أنْ لا ننسى بِأنّ عمرَ المجتمعاتِ يقاسُ بِالعقودِ وَ ليسَ بِالسّنينِ،  كما أنّ ما يحدثُ الآنَ في كوبا هوَ حصيلةُ ما فعلهُ "كاسترو" منذُ عقودٍ. إنّ ما سوفَ يحدثُ في العالمِ أجمعهِ مُستقبلاً منْ ثورةٍ عماليةٍ اشتراكية أممية هوَ حصيلةُ ما يفعلهُ هذا النّظامُ الرّأسمالي حولَ العالم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إيديولوجيا اللا إيديولوجيا، فكرٌ رقميٌّ منْ دونِ هوية!

قانون الأحوال الشخصية والزواج المدني! ضحاياه الذين لم تأتي سياسة على ذكرهم