النّسويةُ المُقنَعةُ

 



بقلم: وسام أبو حسون


"جرائمُ الشّرفِ" في السّويداءَ وَ مِثلُها في إدلب، كذلكَ الأمرُفي الحسكة". ثلاثةُ  سلطاتِ أمرٍ واقعٍ في سوريا تشتركُ بِاحتضانِها لِمُجتمعٍ يقتلُ المرأةَ بِدمٍ باردٍ لِأنّها قررتْ أنْ تعيشَ أُنوثتها  في أبسطِ أوجهها.مازالَ النّظامُ السّوري ينافقُ بِدعمهِ لِلمرأةِ وَ حقّوقهِا مُنطلقاً منْ فكرةِ أنّ المرأةَ تستطيعُ الخروجَ منْ دونِ حجابٍ في مناطقِ سيطرته. هذا النّفاقُ يزيدُ وَ يزيدُ في مناطقِ الإدارةِ الذّاتية الّتي أشبعتْنا شعاراتٍ رنانةٍ وَ تمثيلٍ نسويّ في مسد بِنسبةِ 50 بِالمئة. في شمالِ وَ غربِ سوريا مازالَ صبيانُ "أردوغان" يرونَ عفةَ المرأةِ وَ خِمارَها وَ فصلِها عنْ الرّجالِ في الجّامعاتِ هوُ أكبرُ حقّوقها.


 الليبراليونَ العلمانيونَ  الطّائفيونَ بِمعظمهمْ يرونَ الآنَ أنّ المرأةَ المُحجبةَ هيَ حالةٌ متخلفةٌ، وعلى المرأةِ أولاً خلعَ الحجابِ حتّى يتمّ الاعتمادَ عليها وَ الوثوقَ بِها. أردتُ هنا طرحَ هذهِ الأفكار لِلتّأكيدِ أنّ الحراكَ النّسوي لا يمكنُ أنْ ينفصلَ عن النّضالِ ضدّ قيمِ السّلطةِ الحاكمة. لقدْ حكمَ نظامُ حزبِ البعثِ لِأكثرَ منْ خمسينَ عامًا،  وَ كانَ أولُ مفاهيمهِ تقسيمَ المجتمعِ لأِديانٍ و أعراقٍ وَ عشائرٍ،  وَ قمعِ الجّميعِ ضمنَ هذا التّقسيم. 


لِذلكَ فَإنّ التّجاربَ الّتي انشقّتْ عنْ هذا النّظامِ وَ وقفتْ ضدّهُ في شمالِ شرقِ وَ شمالِ غربِ سوريا،  هيَ بِشكلٍ أو بِآخرٍ تحملُ قيمَ هذا النّظامُ الفاسدُ على أنّها سلطاتِ أمرٍ واقعٍ قائمةٍ إما على الأسلمةِ، الطّائفيةِ، العشائريةِ، القوميةِ ( وَ التّي تشتركُ جميعُها أيضاً بِأنّها تقمعُ المرأة) وَ لمْ تقمْ حتّى الآنَ بِإجراءِ أيّ تغييرٍ اجتماعي واضح وَ إنّما التّغييرُ كانَ فقطْ سياسي. تاريخياً، كانَ هذا أكبرَ أسبابِ فشلِ ثوراتِ الشّعوبِ الّتي لطالما ارتدّتْ عليها عناصرُ الثّورةِ المضادةِ الّتي تريدُ فقطْ تغييرًا سياسيًا وَ ليسَ اجتماعي، وَ أبرزُ منْ تكلمَ عنْ هذهِ الحالةِ كانَ "ماركس" عندما قالَ بِأنّ قيمَ الأجيالِ الغابرةِ تجثمُ كَالكابوسِ على صدورِ الأحياء. 


وحداتُ حمايةِ المرأةِ  وَ التمثيلُ النّسوي، وَ إقحامِ المرأةَ في جميعِ النّشاطاتِ في شمالِ وَ شرقِ سوريا لمْ يكنْ كافياً لِحمايتها منْ قيمِ الأجيالِ الغابرةِ،  لِدرجةِ أنّنا شهدْنا جريمتيْ قتلٍ يندى لهما الجبينُ في الحسكةِ خلالَ أسبوعٍ واحدٍ،  إحداهُما طفلةَ ذاتُ  ثلاثة عشرة ربيعًا. امتلأتْ السّاحةُ السّياسيّة السّوريّة بِدكاكينِ العملِ السّياسي وَ كانَ لِلنّسويةِ نصيبٌ منْها، حيثُ شهدْنا مُسمياتٍ كثيرةٍ مثلَ "اللوبي النّسوي السّوري"  وَ "الحركةِ النّسويةِ السّياسيةِ" وَ أشبعونا سذاجاتٍ تحتَ مُسمى " ورشاتِ عملٍ لِتميكنِ المرأةِ" وَهمْ لِهذا التّاريخُ  لمْ يستطيعوا بعدُ اعتمادَ اتفاقيةِ "سيداو"  لِلقضاءِ على كافةِ أشكالِ التّمييزِ ضدّ المرأة.


هُنا يمكنُنا أنْ نُجري نظرةً على المستقبلِ وَ أنْ نتعلمَ منْ تجاربِ شعوبٍ أُخرى. لقدْ أيقنتْ معظمُ الحركاتِ النّسويةِ في أوروبا بِأنّ العملَ المدني وفقَ قيمِ هذهِ المنظومةِ العالميةِ لنْ يحررَ المرأةَ، إذْ  طالما بقيَ نظامُ الرّبحِ  يستغلُ المجتمعَ كَكلٍّ لنْ تتحررَ المرأةُ كونَها جزءٌ منْ هذا المجتمعِ وَ تحررِها مُرتبطٌ بِتحررِ المجتمعِ بِشكلٍ عضوي. 


ما العملُ؟ 


أدركتْ النّسوياتُ الأوروبياتُ أنّ المنظماتِ النّسويّةِ ضمنَ صيغتِها الرّأسماليةِ هي تعميقٌ لِانفصالِ المرأةِ عنْ المجتمعِ لِذلكَ كانَ لا بدّ منَ الانخراطِ بِالعملِ السياسي ضمنَ أحزابٍ وَ تياراتٍ سياسيّةٍ ثوريّة تسعى لِتحريرِ المرأةِ وَ المجتمعِ معاً. دأبتْ القيمُ الرّأسماليةُ على تنميطِ المرأةِ بِصفتِها جزءٌ منْ أسرةٍ نمطيةٍ، لِعدمِ امتلاكِ الرّأسماليةِ في بداياتِها المواردَ أو التّكنولوجيا الّتي تؤهلُها لإعادةِ إنتاجِ الطّبقةِ العاملةِ بِشكلٍ اجتماعي (الحضاناتُ وَ المطاعمُ الجّماعية ..إلخ).


 رأى المحنكونَ منْ مُمثلي الطّبقةِ الرّأسماليةِ ضرورةَ خلقِ شكلٍ جديدٍ لِأسرةِ الطّبقةِ العاملةِ يوفرُ المتطلباتِ الماديةِ لِعملٍ في الحاضرِ وَ يتحملُ مسئوليةَ تنشئةِ الجّيلِ القادم.اتخذتْ أسرةُ الطّبقةِ العاملةِ شكلَ الأسرةِ النواة، المكونةُ منَ الرّجلِ وَ المرأةِ وَ أطفالِهما،  وَ الرّجلُ كانَ مُطالباً بِالعملِ طُوالَ الوقتِ  لِيتقاضى الأجرَ الّذي يوفرُ  المستوى المعيشي الأدنى لِأفرادِ العائلةِ،  أما المرأةُ كانتْ مُطالبةً بِإنعاشِ الرّجلِ ( عاطفياً وجنسياً) علاوةً على إنجابِ الأطفالِ وتنشئتِهم.


سيناريو تعيشهُ المرأةُ السّورية الآن  بِشكلٍ أكثرَ بَشاعةٍ وَ إذلالٍ،  وَمازالتْ النّسوياتُ السّورياتُ غيرَ قادراتٍ على أخذِ مكانِهنّ المُناسبِ لِعدمِ وجودِ جسمٍ سياسيٍ ثوريٍ حقيقي في السّياسةِ السّورية. انطلاقاً منْ هُنا، الخطوةُ الأولى الّتي يُمكنُ العملَ عليها هيَ تأسيسُ حزبٍ ثوري يأخذُ على عاتقهِ تحريرَ المرأةِ وَ المجتمع. أيّ حزبٍ قادرٍ على إجراءِ تغييرٍ اجتماعي وَ اقتصادي وَ سياسي عميقٍ،  لِتستطيعَ المرأةُ الاستمرارَ في النّضالِ منْ أجلِ حقّوقها. 


لا بديلَ عنْ تغييرِ العلاقاتِ الإنتاجيةِ القائمةِ في سوريا حالياً، وَ هذا ما يتطلبُ دورًا فعالًا لِلمرأةِ إلى جانبِ الرّجلِ ضمنَ استراتيجيةٍ واحدةٍ وهدفٍ واحد: 


"إسقاطُ قيمِ السّلطةِ الحاكمة".

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إيديولوجيا اللا إيديولوجيا، فكرٌ رقميٌّ منْ دونِ هوية!

قانون الأحوال الشخصية والزواج المدني! ضحاياه الذين لم تأتي سياسة على ذكرهم

مظاهرات كوبا... برهان آخر على بعد الستالينيين عن الماركسية