طوفان في بلاد البعث

 

بقلم: يارا الحمد

خلال تسع سنوات من الحرب الدّمويّة في سوريا راودتنا العديد من الأسئلة عن طبيعة هذه الحرب و أسباب استمرارها حتّى يومنا هذا، ففي ظل استمرار النّظام السّوري على نهجِ القرون الوسطى في حكم سوريا لاتزال هناك حاضنة شعبيّة مؤيدة لنظام البعث وسياسته القمعيّة في سوريا

وللإجابة عن هذا الاستفسار لا يسعنا إلّا أنْ نذهب الى ماضي سوريا منذ عام 1970 حينما سيطر حافظ الأسد على رأس السّلطة وَأسس لِديكتاتوريتهِ الّتي كانت سبباً مهماً في ترسيخ حقائق و أفكار في عقول السّوريين لا وَلم تمتْ لِلواقع بِصلة أبداً، مما جعل من الجّهل أحد أهم أعمدة تثبيت سلطة النّظام على الشّعب

في الفيلم الوثائقي لِلمخرج السّوري الرّاحل عمر أميرالاي رسالة واضحة أظهر فيها حجم الخراب الّذي ألحقه النّظام السّوري بِسوريا حيثُ تميزت أفلامه بِنزعتها الانتقاديّة على الصّعيد الاجتماعي و السّياسي وكان له دور بارز في ربيع دمشن أفلامه الوثائقيّة ثلاثية حول وادي الفرات ،1970 حيث وجه تحية لِمشاريع التّطوير السّوريّة

أخذت أفلامه طابعاً نقدياً كما في فيلم الحياة اليوميّة في قرية سوريّة 1974 الّذي بيّن فيه عمر أميرالاي التّأثير السّلبي لِبناء سد الفرات على بعض أفراد القرى الواقعة على نهر الفرات، ثم ّ أنتج في عام 2003 فيلم طوفان في بلاد البعث بعد زيارته الثّانية لِقرية الماشية والّذي يعتبر نقداً سياسياً لِسياسة حزب البعث في مجال التّربية والتّعليم ومن المفترض أن يكون اسم الفيلم خمسة عشر سبباً لِكرهي لِحزب البعث.

يتناول الفيلم الأثار السّلبيّة لِسياسة حزب البعث في سوريا دون أي انتقاد لِسياستهِ، لكن هذا الفيلم يعرض الأثار المدمرة على قرية الماشية التّابعة إداريّاً لِمحافظة الرّقة، حيثُ عرض لنا البنية الإيديولوجيّة لِفكر البعث الّذي تماهى في سلطة حاكمة مستبدة، قيدت عقول البشر قبل أن تقيد أجسادهم، وكان التّركيز الأول على النّظام التّعليمي الّذي بدوره يعطي الصّورة النموذجيّة لِلجّهل الّذي سببه الاستبداد عبر منظومة شعارتيّة حين المرء يتأمل مفاراقاتِها تبدو أنّها خارج الواقع تماماً

يبدأ الفيلم بِمقابلات مع طلاب ومعلمين ومسؤولين حكوميين يتلون شعارات وهتافات تمجد حزب البعث و الرّئيس الأسد ويعرض أيضا النّظام التّعليمي “ نظام غسل الأدمغة “ لِلأطفال لِبناء جيل مشبع بِأفكار حزب البعث

لم يوجد في فيلم أميرالاي أيّ نقد لِحزب البعث أو سياسة الحكم، بل كان الفيلم يعرض حسّ السّخرية من خلال تصوير المقابلات وهتافات الأطفال واللقطات الصّامتة والوضع المعيشي لهذه القرية

إنّ فيلم طوفان في بلاد البعث عرض لنا صورة لِمستقبل سوريا , فحين نتأمل طوفان الاحتجاجات والمظاهرات الّتس جرت في سوريا تنتابنا الدّهشة كيف لهذا الفكر المُعشش بِالخوف والولاء لِحاكمه أن يستيقظ ويرفض سياسة الاستبداد؟ كيف لِشعب غارقٍ في طوفان الجّهل

والتّخلف أن يطفو من جديد ويدرك معنى الحرّيّة؟

قرية الماشية قدمت لنا جواباً عن السّؤال الجّوهري ّ: لماذا انتفض السّوريون؟


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إيديولوجيا اللا إيديولوجيا، فكرٌ رقميٌّ منْ دونِ هوية!

قانون الأحوال الشخصية والزواج المدني! ضحاياه الذين لم تأتي سياسة على ذكرهم

مظاهرات كوبا... برهان آخر على بعد الستالينيين عن الماركسية