لاكاسا دي بابل….. مسلسل يروي قصة صراع طبقي بنكهة اسبانية- الجزء الثاني





بقلم وسام أبو حسون


 أتابع في هذا الجّزء المقاربات الّتي أراد القائمون على مسلسل بيت من ورق إيصالها للمتلقي بطريقة درامية رائعة

أسس اليسار في لَكاسا دي بابل

علينا أن نعتبر المجموعة الّتي أسسها البروفيسور، هي حزب ثوري أراد الانتفاضة من أجل استعادة حقوقه.

 كيف يوطد الحزب الثّوري صفوفه؟

أولاً:  وعي الطّبقة البروليتاريّة،  وهو ما عمل عليه البروفيسور لمدة خمسة أشهر قبل القيام بهذه العملية، حيث بدأت عملية التّوعية من أول لحظة حينما تذمر موسكو من طلب البروفيسور بضرورة بقائهم في مرحلة التّأهيل والتّدريب لمدة خمسة شهور من دون عمل ومردود مادي، فكان جواب البروفيسور

“ أنت تدرس ل 12 عاماً في المدرسة من أجل العمل براتب متواضع طيلة حياتك، والآن تتذمر من التّعلم لمدة خمسة أشهر  من أجل تنفيذ عملية لن تضطر بعدها من أن تبيع قوة عملك للرّأسمالي“

مثال آخر على ضرورة توعية الطّبقات البروليتارية كانت في „الحلقة الخامسة من الموسم الرابع“ عندما كان اللّحامون  الّذين انضموا لعملية السّطو الثّانية على احتياطي الذّهب خائفين من أحد عناصر حراسة محافظ البنك المركزي، والّذي كان متمرس جداً على القتل فما كان من نيروبي إلّا أن قالت

 „أنتم العمال، أنتم اللحامون، أنتم من أقوى الرّجال الّذين رأيتهم،  أنتم خائفون في غرفة لها مدخل واحد و مدججون بالسّلاح“

إشارة واضحة إلى الخوف الّذي يعتري الطّبقات العاملة قبل الانتفاضات، وذلك بسبب عدم إدراك هذه الطّبقات بأنّهم الوحيدون ممن يملكون السّلاح الّذي سوف يُسقط الطّبقة البرجوازية وذلك بالتّوقف عن بيع قوة عملهم

ثانياُ: التّرابط والتّلاحم والتّقارب مع الجّماهير، وهذا ما عملت عليه المجموعة من خلال تبنيها لقيم سامية مثل: منع القتل،  مساعدة الجّرحى من الرّهائن، و تقديم دعم نفسي لهم، كذلك التّعهد بإرسال طرود بريدية فيها مبالغ من المال بعد خروجهم من دار السّك بالمبلغ المخطط طباعته، ولعلّ الحبّ والارتباط العاطفي كان أسمى أنواع هذا التّرابط والتّلاحم عندما وقعت المحققة راكيل بحب البروفيسور،  كذلك الرّهينة مونيكا وقعت بحبّ دنفر وأصبحت من أعضاء المجموعة.  مجموعة قيم تمّ تبنيها جعلت من عملية كهذه تبدو للرّأي العام بأنّها عملية مشروعة

 ثالثاُ: صواب القيادة السّياسية الّتي تقود هذه الطّليعة وصحة استراتيجيتها وتكتيكها، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ من جسد القيادة في المسلسل هو ليس فقط البروفيسور، وإنّما أيضاً برلين،  وفي أحد المراحل طوكيو ونيروبي لقد كان البروفيسور منظماً جداً إلى درجة دراسة كافة الاحتمالات الممكنة، شكل خوارزمية مُتقنة تضمن نجاح سير العملية، ولكن..!! لا يمكن لخطة في  أجزائها عمل عسكري أن تسير وفق المرسوم،  في الحلقة „الثّامنة من الموسم الثّالث“ دار نقاش ما بين برلين والبروفيسور انتقدَ فيه هذا الأخير برلين لأنّه أخبر حبيبته عن الخطة، ردّ عليه برلي “ الفوضوية  جزء من الخطة المنظمة، ولا يمكن الابتعاد عنها.. بالإضافة إلى أنّ التخطيط الزّائد هو حالة غير منطقية يؤدي إلى خطر الوقوع في حالة فوضى مستعصية“

 وهنا كانت الإشارة إلى دور الفوضويين اللاسلطويين ( الأنا ركيين) في نضالات الشّعوب وهنا يمكننا اسقاط مبدأ واضح من مبادئ الماركسية على الأفكار الّتي ذكرتها في هذه الفكرة وَهو “ يستحيل الانتصار دون الدّراية بالهجوم الصّحيح والتّراجع الصّحيح“

سقوط قيم الديّمقراطية البرجوازية عند تبني الجّماهير المنتفضة لقيم الثّورة سامية

في „الحلقة الأولى من الموسم الثّالث“ وبعد انتهاء عملية طباعة ال 2 مليار يورو وَتهريبِهم بنجاح إلى خارج إسبانيا، كما أنّ تحرير الرّهائن يُظهر مدير المطبعة ( أحد الرّهائن) في برنامج تلفزيوني من تقديمه على شكل بطل، ويصف مجموعة البروفيسور بالإرهابيين

 تمّ التّرويج لهذا البرنامج بطريقة جعلت النّاس تدفع النّقود للدّخول وسماع مدير دار السّك بشكل شخصي حيث كان الجّمهور يوافقه الرّأي بكل ما يقوله “ طريقة الرّأسمالية الاعتيادية بغسيل الأدمغة إعلامياً و تشويه سمعة من تمرد عليها“

تنجح السّلطات باعتقال ريو، ولكنهم لم يفصحوا عن ذلك إعلامياً، كانت إشارة واضحة للبروفيسور بأنّ ريو يتعرض للتعذيب.  تم ّفي هذه الحلقات توضيح مدى وحشية الرّأسمالية عندما تكشر عن أنيابها، وحشية تجلت في عبارة البروفيسور:

“ سوف يتم تعذيب ريو على ارتفاع 11000 متر فوق كل القوانين في طائرات ال  CIA ، و غوانتانامو“

 ليكتشفوا فيما بعد بأنّ ريو تمّ دفنه في الجّزائر حيّاً من باب ترهيبه نفسياً

 ولكن لماذا الجّزائر؟

رسالة واضحة إلى أنّ المنطقة العربية هي ساحة خلفية للأنظمة الرّأسمالية، تمارس فيها الإرهاب الّذي لا تستطيع ممارسته في الإطار الجغرافي لِمنظومة قيمها

الأنظمة العربية هي من تفرض واقع تريده فعلاُ هذه الامبرياليات الغربية حتّى تستطيع الاستمرار.

 في حادثة أخرى، تقوم المحققة البديلة باستخدام ابن نيروبي للضّغط عليها من أجل الخروج والمفاوضة، وهي إشارة أخرى إلى أنّ جميع القيم النّبيلة الّتي تتشدق بها الرّأسمالية تسقط عندما يتهدد عرشها

 ما إن رأت نيروبي ابنها حتّى فقدت السّيطرة لينتهي المطاف بِإصابتها برصاصة أحد القناصين

 تسير الأحداث بشكل درامي للحظة موت نيروبي ليعلن عندها البروفيسور: نحن لم نعدْ في عملية سطو نحن الآن في حرب

 وهي اللحظة الّتي تنتقل فيها الجماهير إلى حالة الحرب عندما تزداد وحشية الرّأسمالية في قمع الانتفاضة كان ذلك غيض من فيض حول أحداث كانت فعلاً في غاية الرّوعة و الإتقان من مسلسل قام بعرض الانتفاضات الشّعبية من منظور آخر.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إيديولوجيا اللا إيديولوجيا، فكرٌ رقميٌّ منْ دونِ هوية!

قانون الأحوال الشخصية والزواج المدني! ضحاياه الذين لم تأتي سياسة على ذكرهم

مظاهرات كوبا... برهان آخر على بعد الستالينيين عن الماركسية