القانون لنا، أمْ علينا؟
القانون لنا، أمْ علينا؟
بقلم ريما صقر
حينَ يتعرض الإنسان لِلظّلم يجدُ نفسهُ أمام خيارين، إما أنْ يأخذ حقّه بِيديه أو يلجأ لِلقانون. ولكن إن عدنا إلى التّاريخ نجد أنّ سلطة القانون تقوم على أساس القوة والقهر والغلبة فما هو القانون؟ وما هي أساسياته؟ وعلاقته بِالمجتمع؟ وهل صحيح أن القانون وُجد لحماية الأفراد والشّعوب؟ أم أنّه وُجد لِتدجينهاوحماية السّلطة الحاكمة الّتي تدعي الدّيمُقراطيّة؟
بدايةً يعرف القانون بِأنّه مجموعة من القواعد الّتي تمّ إنشاؤها من خلال منظمات اجتماعيّة أو حكوميّة لِتنظيم سلوك المواطنين وضمان حمايتهم والمساواة بينهم، أو أنّه مجموعة من الأسس الّتي تحكم المجتمع وتقوم على تنظيمه، فلا يمكن تحقيق نظام عادل إلّا من خلال اتباع قوانين عادلة تعزز بدورها الانضباط بين أفراد هذا المجتمع. يستند القانون في مصادره إما على الدّستور، أو التّشريع، أو العرف، أو المعاهدات الدّوليّة. لكننا نجد تباين واضح بين استخدام علماء الاجتماع وعلماء القانون لِلقانون:
يعتبره علماء الاجتماع جزء من الثّقافة الّتي يكتسبها الفرد بوصفه عضواً في المجتمع، وقد عرّف عالم الاجتماع (ادوارد تايلور) في كتابه*المجتمع البدائي * الثّقافة بوصفها ذلك الكلّ الدّيناميكي الّذي يشتمل على المعايير والعادات والتّقاليد والعرف والقانون والدّين، وكلّ ما اكتسبه الإنسان بِاعتباره عضواً في المجتمع. أما (نيقولا تيماشيف) فيقول: *يرتكز القانون على عنصرين أساسيين هما الاخلاق والقوة، ومعايير السّلوك الّتي تُفرض على الإرادة الفرديّة لا تكمن في القانون فحسب، وَإنّما أيضاً في الأخلاق والعرف *
وهذا يدل العلاقة المُترابطة بين الأخلاق والعرف والقانون علاقة وَ تأثير كلّ منهما على الآخر. أيضاً، فَإنّ الإعلان العالمي لِحقوق الإنسان أكدّ في أساسياته و جميع مواده على أنّه من الضّروري أنْ يتولى القانون حماية حقوق الإنسان لكيلا يضطر المرء آخر الأمر إلى التّمرد أو الاستبداد والظّلم، فكانت جميع مواده الّتي أقرّها لِحماية الأفراد والشّعوب من الظّلم وتحت ظل قانون عادل، لا لحماية الحكومات أو السّلطات. ومع ذلك فإنّنا نجد فروقاً واسعة في تطبيق القانون بين دولة وأخرى، رغم أنّ الإعلان العالمي لِحقوق الإنسان أقرّ قانوناً واحداً لِحماية جميع الشّعوب ولم يخصص قانون لكلّ دولة، فَمثلاً الأنظمة الدّيمُقراطية أو العلمانيّة نجدها تعمل على احترام الدّولة والأفراد للقانون، بينما الأنظمة الدّيكتاتوريّة نجد لديها وسائل عديدة لِلتّلاعب بِالقوانين، إنْ كان من الدّولة أو من الافراد، وذلك عبر أبواب الفساد والرّشوة وثغرات القوانين الّتي لا تعدّ ولا تحصى وفق خطط مدروسة تُجيز ما لا يجوز، كما تجعل أحد أهم أهداف المواطنين التّلاعب بِالقوانين، مما يضمن بقاءها واستمرارها.
غير أنّنا إنْ نظرنا إلى القوانين الّتي تُطبق في دول أوروبا بشكل عام، نجدها قوانين تخدم المجتمع كافة، لكن إنْ تعمقنا فيها، أو عرفناها من الدّاخل فإنّنا نجد أنّ لِكلّ قانون حالة خاصة أو ثغرة تجيز تعدي غير واضح على حياة الأفراد وتنتهك حقوقهم بكامل الرّضا. إحدى الحوادث الّتي جرت في أحدِ المدارس بسبب كره بعض المعلمين لِطلاب مهاجرين أو كما يسمونهم أجانب، يقومون بإدراج علامات هؤلاء الطلاب تحت المستوى المطلوب بدرجة واحدة، حتّى لا يُمكنهم النّجاح إلى الصّف الأعلى في مدرستهم، وعندما يحاول الطّلاب مراجعة الإدارة أو المعلم المسؤول عنهم فإنّ الجّواب واحد، نحن لا نستطيع تغيير شيء في هذا الأمر، فالقانون لا يسمح بتعدي معلم على مادة أخرى، مع العلم أن القانون يجيز لِهؤلاء الطّلاب طلب تصحيح المواد من قبل معلمين آخرين من خارج المدرسة، لكن عليهم أن ينتبهوا أيضاً أنّ هذا الأمر يكبدهم متاعب ومشاكل مع معلم المادة وربما معلمين آخرين في السّنة التّالية الّتي ستكون سنة تخرج بالنّسبة لهم، مما يُجبر هؤلاء الطّلاب على التّخلي عن هذه الفكرة، والاكتفاء بالالتحاق بمدرسة أخرى أقل مستوى من المدرسة التي درسوا فيها لِأعوام، وخططوا لآمال ذهبت مع هذا القرار أدراج الرّياح.
أينَ هو هذا القانون الّذي يحمي هؤلاء الطّلاب، بِعبارة واحدة ومن خلال القانون استطاع مدير مدرسة أنْ يُثني طلاب عن المطالبة بِحقّ مشروع لهم وضمن القانون. أيضاً في العام الماضي تعرضت طفلة في إحدى رياض الأطفال، كما صرحت أسرتها لعملية اغتصاب، وليست الطّفلة وحدها من تعرضت لهذا الفعل، وإنّما أطفال آخرون، ولكن لعدم وجود أدلة رفضت المحكمة أو قسم الشّرطة البحث عنها و تمّ تقيد القضية وإغلاقها…. أينَ هو القانون الّذي يجب أنْ يحمي الأطفال من هكذا أفعال وجرائم، القانون هنا يتمّ التّلاعب به بطرق مختلفة، ومقنعة لفرض حماية مجرمين يتبعون لِدوائر حكوميّة.
هذا كلّه يحدث في الأنظمة الدّيمُقراطية، فما بالكم بِالأنظمة الدّيكتاتوريّة إذن والّتي تتلاعب بِالقوانين و تجهزُها بما يخدم مصلحة الحاكم ورجل الدّين، فرجل الدّين هنا يحتاج لِلسّلطة لِتثبيت وجوده، ورجل السّلطة يحتاج لِلدّين لِتمرير مبتغاه، فيصبح القانون بذلك سيفا مُسلطاً على رقاب المواطنين، ويجعلهم أدوات لِسرقة المال العام تحت مسميات قانونيّة، فيتمّ استخدام الشّريعة لِلقضاء بِالحكم، لا لاستخدام القانون لِتشريع الحكم، وهذه أحد الأخطاء المدروسة بِغناية من قبل السّلطة ورجال الدّين. وهنا نستطيع الحديث بشكل مفصل عن قانون الأحوال الشّخصية في العالم الإسلامي أو الدّول الّتي تعتمد التّشريع الإسلامي في سنّ قوانينها، مع العلم أنّ جميع هذه الدّول تمتلك عدة ثقافات غير الثّقافة الإسلاميّة، لكنّها تتجاهلها مدعيّة أنّ الأغلبية هم من المسلمين، على سبيل المثال لا الحصر، سوريا، الّتي تقطنها عدة ثقافات و أثنيات أخرى، إلّا أنّها اعتمدت التّشريع الإسلامي في سنّ قوانين الأحوال الشّخصيّة، وتحديداً قوانين الزّواج… فلا يمكن لِغير مسلم أنْ يتزوج بِمسلمة دون إعلان إسلامه، ونطقه بِالشّهادتين وذلك أمام المحكمة عدة مرات لِيتأكد القاضي من إسلامه الّذي لا رجعة عنه.
أيضاً، الطّلاق وواجب تنفيذه عندما يرغب الرّجل بذلك ودون موافقة الزّوجة، أو ما يسمى المخالعة الّتي تجبر الزّوجة على التّنازل عن جميع حقّوقها والعودة وحيدة دون سند وربما مع أطفالها أيضاً الّذين إن بلغوا من العمر سنّاً معيناً يجب إعادتهم إلى الأبّ لأنّه بحاجة لهم لدعمه ومساعدته في حياته، متناسيين الأمّ الّتي أفنت حياتها من أجل أولادها، و من حقّها أيضاً بقاء الأولاد معها لمساعدتها عندما تصبح في عمر لا تستطيع مساعدة نفسها، أو تكون فيه بحاجة لِسند من أحد. تعدد الزّوجات الّذي سمح لِلرّجل بِجمع زوجتين في منزل واحد دون الاعتراف بمشاعر أيّ منهما. حقّ الميراث الّذي يُجيز لِلذّكر مثل حظ الأُنثيين، لأنّه يعتبر أن الرّجل هو المعيل الاول للأسرة، مع العلم انّ المرأة اليوم تعمل في جميع المجالات و تعيل أسرتها كما الرّجل، وربما أكثر
أين يكون القانون في هذه الحالات، أليس القانون لِلجّميع ولحماية الجّميع، أم أنّه ينطبق علىَ البعض لحماية البعض الآخر. أيضاً القانون الجّنائي الّذي يجيز سجن امرأة لعامين لأنّها سرقت رغيف خبز لإطعام أطفالها الّذين تركتهم الشّرطة وحيدين في منزل لا يحمل أيّ صفة ليكون منزل يقطنه أطفال لوحدهم لمدة أسبوع، دون أنْ يفكروا في السّبب الّذي دفع هذه المرأة لِلسّرقة أو محاسبة من أوصلها لهذه الحالة، هم لديهم أدلة… تثبت هذه السّرقة، لكن السّبب الرّئيسي لهذه السّرقة ليس في اعتبارهم. أيضاً جرائم سرقات أخرى تحدث فيها أحد المتضررين من هذه الجّرائم، حيث قال: هل تعلمين أن مراكز الشرطة في محافظتنا كانت تقوم بإخراج المتهمين بِالسّرقات ليلا، وتأخذهم إلى منازل قاطنيها مسافرين أو غير موجودين في المنزل ليقوموا بسرقة محتويات المنزل وتتم إعادتهم إلى السّجن بعد إتمام عملية السّرقة بنجاح، ويأخذ عناصر الشّرطة المسروقات ويقومون ببيعها في مدن أو محافظات أخرى او ربما يقومون بتهريبها إلى لبنان أو دولة أخرى مجاورة وبيعها هناك حتّى لا تتمّ عملية كشف السّرقة.
فَأين هو القانون هنا الّذي يحمي المواطنين من اللصوص والمجرمين إن كان من يقوم بعملية السّرقة أو يخطط لها هو السّاهر على حماية المواطنين!! أيضاً في رواية أخرى من أحد سائقيّ التّكسي الّذي كان يعيل عائلته من خلال هذا العمل، بعد أن رفضت الدّولة توظيفهِ رغم معدله العلمي لأنّه لا يملك المال لِيرشي المسؤولين…:في أحد الأيام اصطدم بسيارتي شاب يقود سيارة عسكريّة بسرعة جنونيّة، تمّ إخراجي من السّيارة بِصعوبة وكل من شاهد الحادث قال لي كُتب لك عمر جديد، أما السّيارة تمّ تنسيقها لأنّها لم تعد صالحة لِلعمل بأيّ شكل من الأشكال. هذا الشاب لا يملك شهادة قيادة وإنّما هو يؤدي الخدمة الإلزاميّة في إحدى القطعات العسكريّة الّتي يرأسها والده، ولأنّ والده سمح له بالتّجول في أنحاء مدينة دمشق بالسّيارة في استهتار منه بحياة المواطنين الآخرين، لم أستطع إثبات حقّي أو نيل جزء بسيط منه
والد هذا الشّاب قام مسرعاً بإخراج إشعار يثبت أنّ ولده كان في مهمة جلب خبز لِرفاقه الجّنود، وقدمه لِقائد الشّرطة، وقال لي إن حاولت المساس بولدي أو تقديم أي شكوى اعلم انّ مصيرك السّجن. يمكننا أنْ نرى في كلّ هذه القصص أنّ القانون لم يتمّ تحريره لِحماية المواطنين و إنّما استعبادهم بِطريقة حضاريّة لِحماية السّلطة تحت مسمى القانون. ألا نجد أن القانون إن كان في الأنظمة الدّيمُقراطية أو الدّيكتاتوريّة هو سيف مسلط على رقاب الضّعفاء وعرشاً مرصعاً بِالألماس للأغنياء؟! لِلأسف بعد كلّ هذا نجد أنّ القانون لم توجده السّلطات لِحماية الشّعوب، والمفهوم الّذي نشأنا عليه بِأنّ القانون وُجد لِحمايتنا، هو مفهوم خاطئ، فالقانون وُجد لتّدجين الشّعوب والسّيطرة عليها بِطريقة تحترمها وتعتقد أنّها تطبق قانون يحميها. نهايةً علينا أن نعلم جميعنا أنّ القانون الّذي يمتلكه الإنسان في قرارة نفسه والّذي يصوغه من خلال طريقة تفكيره هو من يجعل منهُ مفكراً او لصاً… أما قوانين الحكومات فهي وجدت ليزداد الأغنياء غنىً… والفقراء فقراً

تعليقات
إرسال تعليق