هل الثورة على النظام تكفي؟ أم نحن بحاجة لثورة على القيم التي أرساها النظام؟


 

هل الثورة على النظام تكفي؟ أم نحن بحاجة لثورة على القيم التي أرساها النظام؟

بقلم: وسام أبو حسون 


لقد كانت السنوات التي مرت على سوريا منذ عام 2011 كفيلة بإظهار مدى التدهور الأخلاقي والإيديولوجي ضمن البنية الإجتماعية السورية. خمسون سنة من التجهيل الممنهج الذي إتبعه النظام السوري أدت لنتائج كارثية على الشعب السوري و أظهرت مدى ضرورة العمل على بناء وعي جديد منفصل عن مجموعة القيم الأخلاقية والإجتماعية والسياسية التي أرساها النظام حتى عام 2011 و استغلها الإخوان المسلمون منذ عام 2011 للتأثير على جيل الشباب الجديد بخداعهم بأنهم فعلاً من صف ثورتهم من أجل الحرية والعدالة مما أدى إلى خلق قيم أسوء جعلت الثورة تتحول إلى ثورة مضادة عن طريق مشاركة الكثير من مدعي العلمانية والمدنية للتيارات الظلامية الموجهة من قبل حركة الإخوان المسلمين بحجة إسقاط النظام. هذه التشاركية أعطت للإسلام السياسي شرعية محلية إقليمية ودولية أدت إلى ما نحن عليه الآن.

 الثورات من وجهة نظر الاقتصاد السياسي

 

علاقات الإنتاج

 

عرف المجتمع البشري تشكيلات اجتماعية – اقتصادية متعاقبة أفضت إلى تعاقبات سياسية يظهر فيها نظام سياسي على أنقاض نظام سياسي آخر. إن أهم ما تقوم عليه المجتمعات هو عملية الإنتاج – وليس المقصود بها هنا فقط الإنتاج الاقتصادي فقد يكون الإنتاج فكري أو سياسي أو ثقافي- وفي أثناء هذه العملية يدخل الناس فيما بينهم بعلاقات متبادلة ومحددة وهذا ما يسمى بعلاقات الإنتاج. تقوم بدورها علاقات الإنتاج بين الناس في المجتمع على شكل نظام محدد. يدخل في تحديد  تركيبة هذا النظام طبيعة النظام السياسي أو الإقتصادي الحاكم والذي سيفرض بدوره التوليفة التعليمية الدينية الثقافية في المجتمع المعني.

 

قوى الإنتاج

 

ومن جهة أخرى يعتبر الشعب هو العنصر الرئيسي في قوى الإنتاج والتي تتطلب عند كل درجة معينة من تطورها شكلاً محدداً من علاقات الإنتاج فإذا كانت علاقات الإنتاج ملائمة لطابع قوى الإنتاج ساعدت على تطور هذه القوى ودفعتها للأمام  وعند تقدم قوى الإنتاج على علاقات الإنتاج تضيق هذه الأخيرة على قوى الإنتاج كابحة تطورها مؤسسة لتناقض ما بين القوى والعلاقات سيصبح فيما بعد الأساس المادي والمحرض الرئيس للثورة الإجتماعية التي ستؤدي إلى سقوط علاقات الإنتاج القديمة واستبدالها بعلاقات إنتاج جديدة تساعد على تطور قوى الإنتاج.

 إسقاط بعض المفاهيم الإجتماعية والسياسية على الحالة السورية

 

إنطلاقاً من نظرية التناقض ما بين القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج فإن التناقض كأساس مادي ومحرض رئيس للثورة كان موجود في سوريا ومنذ زمن ولكن حالة الخوف التي فرضها النظام السوري أخرت الاندلاع الطبيعي للانتفاضة الشعبية فما كان من وسيلة أخرى إلا زيادة نسبة هذا التحريض إعلامياً حيث أخذت الكثير من القنوات الممولة إخوانياً أو عالمياً هذه المهمة على عاتقها وهنا كان الإنحراف الأول للبوصلة الثورية.

إن الحراك الشعبي العفوي هو العامل الرئيس في اندلاع الثورات و لكن نوعية و إتجاه التغيير الذي سينتج عن هذا الحراك فهو مرهون بالتنظيم الذي سيقوده و كذلك الأمر بالبنية التحتية التي ستفرز الحوامل الأخلاقية و الإجتماعية و الثقافية و السياسية لهذا الحراك

 

ماهي القيم المجتمعية السائدة في سوريا وماذا كان  تأثيرها على الإنتفاضة في سوريا؟

إنطلاقاً من مفهوم البنية التحتية للثورة، لكي نتمكن من اكتشاف جذور السلوكيات يجب علينا أن نحلل البيئة الإجتماعية التي تغذي سلوك الإنسان بصورة عامة. الدلائل تشير إلى أن معظم سلوكياتنا يتم توجيهها عن طريق البيئة التي نعيش فيها. إن القيم الموجودة في مجتمعنا في جزء منها هي قيم موروثة لا أكثر وفي الجزء الثاني منها هي قيم مفروضة علينا من خلال التعليم، السينما، الكتب، التلفزيون والتقاليد الشعبية. فإذا ما دققنا بطبيعة النظام الأبوي في المنزل وطبيعة نظام الأديان التوحيدية الناظمة لعمل المجتمع و طبيعة نظام الطغمة الحاكم في دمشق فهم متشابهين إلى حد كبير من حيث تلقين الناس ما عليهم فعله وما هو الصح و الخطأ أي بمعنى آخر جميعها تؤسس للشمولية. المعايير الأخلاقية والاجتماعية التي اكتسبها الشعب السوري على مر الخمسون عاماً كانت هي مصدر البنية التحتية للثورة السورية. البنية التحتية هي الإطار الإيديولوجي النظري الفلسفي الأخلاقي الذي يحدد نوعية وتوجهات الثورة فيما إذا كانت تقدمية أم أنها سلكت منحى سيودي بها بالنهاية إلى مستنقع الثورات المضادة

طبيعة البنية التحتية للانتفاضة السورية وانعكاسها على البنية الفوقية

البنية التحتية هي التي تحدد الخطوط الحمراء التي لا يمكن تبني أي فعل يتجاوزها. في كل الثورات هناك أخطاء وتجاوزات ولكن الإختلاف يكون بالقيم التي تمنع تبني هذه الأخطاء باعتبارها سلوكيات مقبولة مما يؤدي مع الوقت لتحولها إلى جزء من هيكلية الثورة و حالة طبيعية ضمنها وهذا ما حصل في سوريا.

إذا ما أردنا الدخول في حالات محددة كأمثلة عن هذا السيناريو لا بد لنا من الحديث عن أيقنة عبد الباسط الساروت من منظور نقدي. هذا الشخص الذي صدحت حنجرته للحرية منذ بداية الإنتفاضة الشعبية في سوريا ليتحول فيما بعد لتبني خطابات جهادية طائفية مروراً بقتاله سنتين مع تنظيم داعش الإرهابي وصولاً إلى استقراره مع جيش العزة الذي يحمل أيديولوجية دينية متطرفة لا تمت لشعارات الحرية والمدنية بشئ

ذهاب عبد الباسط الساروت بهذا الإتجاه كرد فعل بعد خروجه من حصار حمص هو نتيجة للكثير من العوامل التي تجعل من تصرفه منطقياً ولكن ليس صحيحاً أما الخطأ الأكبر هو أن يتم تبني هذا السلوك الخاطئ كحالة ثورية و اعتماده كأيقونة من أيقونات الثورة

الفلسفة الوجودية كمعيار للنقد

 

إنطلاقاً من فلسفة جان بول سارتر الوجودية فإن مكان و زمان أي إنسان هو حصيلة تجاربه و خبراته و تفاصيله الحياتية. فإذا أردنا هنا التبرير للساروت قتاله سنتين مع داعش بسبب ما مر به من ظروف، لا بد لنا من التبرير لكافة أعضاء هذا التنظيم الإرهابي وجودهم وجهادهم فيه كون أن الجميع لديهم تجاربهم التي جعلتهم يقاتلون في صفوف هذا التنظيم فلا أحد يأتي إلى هذه الدنيا داعشياً، وهذا ما لا يمكن فعلاً تبنيه و ما سينتج عن تبني شخص من صفوفه كحالة ثورية أو أيقونة ماهو إلا إعطاء الفرصة للإعلام المعادي لحرية الشعب السوري بتصوير معارضي الأسد بأنهم إرهابيين و أولهم كان الإعلام الغربي.

ما أود التأكيد عليه هنا هو أنني لا أتكلم عن شخص الساروت بذاته و إنما عن تجربته وخطأ اعتمادها كحالة ثورية بسبب التبرير لها. ولكن السؤال الأهم: لماذا لم نشهد هذه الضجة الإعلامية عند أغتيال رائد الفارس مهندس لافتات كفرنبل الذي أصر على سلمية حراكه ولذلك تم إغتياله من قبل جبهة النصرة؟ في هذه المقارنة تظهر مفاعيل القيم المجتمعية التي رسخها نظام الطغمة الحاكم في سوريا والتي ترى في الحل العنفي دائماً مخرجاً للمشاكل الحياتية والمجتمعية

إسقاط نظام الأسد يبدأ من إسقاط قيمه التي رسخها على مدى عقود

ما يحتاجه السوريين الآن وبعد هذه السنوات العجاف هو ثورة وعي متمثلة بثورة على القيم التي رسخها النظام البعثي في سوريا و التي ستؤدي إلى تفكيك معظم العلاقات الإجتماعية التي تم بنائها منذ خمسون عاماً. إن إعادة بناء النظام الجديد من الأعلى إلى الأسفل على نفس الأسس المجتمعية والسياسية الراهنة سيأتي للسوريين بنظام بعثي آخر ولكن بصيغة أخرى. القضاء على الشمولية يجب أن تبدأ من الأسفل للأعلى. بداية من تفكيك النظام الأبوي بالأسرة مروراً بإبعاد الأديان التوحيدية والقوانين الإقطاعية العشائرية عن التشريع المجتمعي وصولاً إلى نظام تعددي يمكن الإعتماد عليه بالوصول إلى سوريا المدنية الموحدة اللامركزية والتي تعتمد المواطنة لا الوطنية كأساس بالوصول إلى حقوق الإنسان

نعم. نحن بحاجة إلى كسر هذه الشمولية عن طريق إعطاء الفرصة للتيارات الأخرى التي انفصلت عن قيم المجتمع الذي تم تأسيسه في ظل نظام حزب البعث الشمولي والتي تتبنى فكر بعيد عن المفاهيم البالية كالمفهوم الوطني، الذكوري، الديني، القومي، العشائري…. وغيره من هذه المفاهيم الشمولية لتكون بذلك هي الخطوة الأولى باتجاه تأسيس لغة تستطيع التيارات التقدمية في باقي دول العالم فهمها. هذه التيارات العالمية – التي هي أيضاً مقموعة من حكوماتها التي تدعي الديمقراطية- فقط لأنهم يدعون للعدالة الإجتماعية والمساواة بتوزيع الثروات وهذا ما يهدد نظامهم الرأسمالي. هذا القمع الذي يجعل هذه التيارات شريكة للشعب السوري بنفس المعاناة ولكن بأقل عنف وسادية

على السوريين أن يعوا بأنه لا يوجد حكومة جيدة في العالم لذلك إن أرادوا بناء التحالفات عليهم التوجه بعيداً عن الأحزاب الحكومية و ناخبيها  فهؤلاء مصلحتهم البقاء في الحكومة حتى لو كان بقائهم على حساب باقي شعبهم أو الشعوب الأخرى


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إيديولوجيا اللا إيديولوجيا، فكرٌ رقميٌّ منْ دونِ هوية!

قانون الأحوال الشخصية والزواج المدني! ضحاياه الذين لم تأتي سياسة على ذكرهم

مظاهرات كوبا... برهان آخر على بعد الستالينيين عن الماركسية