الإدارة الذاتية........انشودة مفقودة

 



بقلم: فيديل عطالله

كَثُرَ  في الآونةِ الأخيرةِ طرحَ الإدارةِ الذّاتيّة على أنّها حلّ لِحالةِ التّناقضاتِ الّتي فرضتها مركزيةُ الحكمِ المُطبقةِ منَ النّظام الدّيكتاتوري السّوري على مدى الخمسينَ عامٍ الماضية. إنّ فكرةَ الإدارةِ الذّاتية تُعدّ منْ أهمّ الأفكارِ النّاضجة سياسياً وَ الّتي تتبعُها التّياراتُ السياسيّةُ الغربيّة منْ أجلِ التّحررِ منْ سلطةِ رأسِ المالِ الّذي يُسيْرُ السّياسةَ بناءًا على مصلحتهِ الشّخصية وَيدفعُ الملايينَ لِلأحزابِ الّتي سوفَ تتبعُ سياساتٍ تقومُ بِتعظيمِ أرباحه. أيّ أنّ  أساسَ الإدارةِ الذّاتية  أنْ تكونَ المجموعةُ الّتي قامتْ بِها مستقلةَ الرّأي وَ القرارِ، وَ لكنْ أينَ يوجدُ مثلُ هكذا تنظيمٍ حالياً في سوريّا؟  في شمالِ وَ شرقِ سوريا قامتْ الإدارةُ عنْ طريقِ حزبِ الاتحاد الدّيمُقراطي الّذي قامَ بِفرضِ سلطةَ أمرٍ واقعٍ وَ ليسَ عنْ طريقِ انتخاباتٍ شاركَ فيها جميعُ المواطنينَ في شمالِ وشرقِ سوريّا. 


إنّ سلطةَ الأمرِ الواقعِ في طبيعتِها تَخلقُ حالةً كبيرةً منَ التّناقضاتِ الدّاخليّة وَ الّتي لنْ يتمّ احتواءها إلّا بِقمعٍ عسكريّ كما فعلَ نظامُ الأسدِ على مدى خمسين عامٍ، وَ ما تفعلهُ الآن الإدارةُ الذّاتية في شمالِ وَ شرقِ سوريّا ما هوَ إلّا بدايةً في هذا الطّريق، لِذا لنْ يكونَ بِإمكانهمْ المُضي بإدارتهِم منْ دونِ العاملِ الأمريكي لِدرجةٍ أضحى موظفُ درجةٍ خامسةٍ في الخارجيّةِ الأمريكيّة يحركُ هذهِ الإدارةُ بِالطّريقِ المرسومِ لها  لِأنّ أكثرَ منْ نصفِ الشّعبِ الكردي أصبحَ ضدّ سياساتِ الاتحادِ الدّيمُقراطي وَ نسبةٌ أكبرُ منها بِكثيرٍ منْ قبلِ باقي الشّعوب.  في محافظةِ السّويداءِ الجّنوبيّة اتخذتْ الكثيرُ منَ التّياراتِ السّياسيّة مواقفَها بِخصوصِ الإدارةِ الذّاتية كَطريقةٍ لِلحلّ وَ منْهم منْ وقفَ معَها وَ منْ وقفَ ضدّها،  لكنْ العاملُ المشتركُ الّذي يجمعُهم كانَ سذاجةُ طروحاتِهم وَ جهلِهم بِالإدارةِ الذّاتيّة كَبنيةٍ إداريّةٍ لِلدّولةِ وَالمجتمع. 


منْ يريدُ إقامةَ هذهِ الإدارةُ يسعى الآنَ لِاستجداءِ دعمٍ عسكريّ وسياسيّ منْ قوى محليّة وَ إقليميّة في سيناريو سوفَ يُدخلُ المحافظةَ في دوامةِ الاقتتالِ الأهليّ تحقيقاً لِمصالحِ الممولينَ وَ فرضِ سلطةَ أمرٍ واقعٍ أُخرى يَنتجُ عنْها حالةٌ كبيرةٌ منَ التّناقضاتِ الدّاخليّة الّتي سوفَ تُقمعُ على غرارِ شمالِ وَ شرقِ سوريّا بِالقوةِ العسكريّة الّتي سوفَ يحصلُ عليها هؤلاءُ المرتزقةِ منْ ممولِيهم،  قسمٌ منْ هؤلاءِ يطلبُ الدّعمَ لأمريكي و الإسرائيليّ، وَ آخرٌ ارتمى في أحضانِ مسدْ التّابعة لِشمالِ وَ شرقِ سوريّا. أيضاً  هناكَ منْ يعارضُ فكرةَ الإدارةِ الذّاتية لِأنّها حالةٌ انفصاليّة متأثرينَ بِالبروباغاندا الّتي ينشرُها البعثُ وَ الأخوانُ بِصفتهمْ الوحيدينَ الرّافضينَ لِفكرةِ اللامركزيّة الّتي  ستقضي على شموليتِهم، ضاربينَ بِعرضِ الحائطِ كلّ المفاهيمِ السّياسة الّتي تؤكدُ أنّ الإدارةَ الذّاتيّة هي طريقةٌ لِتسييرِ الشّؤونِ وَ ليستْ حالةً انفصاليّة.


منْ قالَ بِأنّ هذهِ الإدارةُ لنْ تنجحْ لِعدمِ القدرةِ على بناءِ مؤسساتٍ تُعنى بِتسييرِ شؤونِ المجتمعِ وَ كأنّ الإدارةَ الذاتيةَ تعني قلبَ مؤسساتِ الدّولةِ وَ ايجادِ البديلِ عنْها لِيكونَ هذا الرّأيُ هوَ رأيٌ ساذجٌ آخر حولَ هذهِ التّجربة. يمكنُ لِلإدارةِ الذّاتيّة أنْ تقومَ أيضاً بِسيناريو ازدواجيةِ السّلطة والمؤسسات حيثُ أنّ استمرارَ عملِ  مؤسساتِ الدّولةِ يمكنُ أنْ يستمرَ في ظلِ تحجيمِ دورِ النّظام الأمني وَ السّلطوي في المحافظة.



يمكنُ أنْ تكونَ الإدارةُ الذّاتية حلّاً مثالياً لِلوضع الرّاهن في السّويداء؟


الإدارةُ الذّاتيةُ بِطبيعتِها هيَ نظامٌ لا مركزي سوفَ يُسقطُ مفهومَ الشّموليةِ في الحكمِ لِذلكَ نجدُ منْ يعارضُ هذا السيناريو في السّويداء همْ البعثيون وَ المعارضةُ المنضويةُ في كنفِ القيمِ الاخوانيّة كونَ أنّ كلاهُما شمولي و يعتمدُ على المركزيةِ وَ مصادرةِ الحرّياتِ بِطريقةِ حكمهِ على عكسِ ما رفضهُ أبناءُ هذهِ المحافظةِ منذُ بداياتِ الأحداثِ في سوريّا و ابتعادِهم عنْ إقحامِ أنفسِهم في المقتلةِ السّوريّة. لكنّ المشكلةُ الأكبرُ تكمنُ في عدمِ وجودِ أيّةَ مِنصةٍ قادرةٍ فعلاُ أنْ تكونَ الحاملَ السّياسي وَ الاقتصادي وَ الاجتماعي لِهذهِ التّجربة. 


إنّ جميعَ الطّروحاتِ الّتي تمّ طرحُها في الوقتِ الرّاهنِ لا تتجاوزُ كونَها مُراهَقاتٍ سياسيّة يظنّ أصحابُها أنّ الإدارةَ الذّاتية هيَ فقطْ مجموعةُ فصائلٍ عسكريّة قادرةٌ على بسطِ نفوذِها.  الإدارةُ الذّاتيّة تتطلبُ بِالدرجةِ الأولى وعيًا شعبيًا سياسيًا، قادر على حمايةِ هذه التّجربةُ وَ يبدأ منْ أنْ يستطيعَ كلّ شخصٍ تنظيفَ مدخلِ منزلهِ منْ النّفاياتِ لا أنْ تملأ القمامةُ شوارعَ المحافظةِ عندما تتوقفُ بلدياتِ الدّولةِ يومينِ عنْ جمعِ القمامةِ كما حدثَ في مدينةِ شهبا.  منْ جهةٍ أُخرى تتطلبُ أشخاصاً ضليعينَ بِالعملِ السّياسي و تحليلَ مُجرياتِ الأحداثِ الإقليميّة وَ الدّولية تحليلًا سياسيًا واقعيّ وثوري وَهذا ما تفتقرُ لهُ المحافظةُ في الوقتِ الرّاهنِ،  وَ أكبرُ دليلٍ على ذلك،  أنّ القواتِ الرّوسيّة ما زالتْ سعيدةً بِأنّها تتوجهُ إلى زعاماتٍ عشائريّةٍ و دينيّةٍ تقليديةٍ منْ أجلِ تحديدِ مستقبلِ شبابِ المحافظة .


منْ وجهةِ نظري فَإنّ فكرةَ الإدارةِ الذّاتيةِ هيَ فكرةٌ قابلةٌ لِلتّطبيقِ عندما يكونُ هناكَ  قناعة شعبيّة كاملة وَ توافقٍ جماهيري حولَ قيامِها وكيفيةِ صياغتِها وَ هذا السّيناريو يمكن أنْ يحصلْ عندما يتمّ رفعُ مستوى الوعي السّياسي لِلشعب وليسَ عنْ طريقِ حفنةٍ منَ المرتزقةِ السّاعينَ لِلسّلطةِ حيثُ لا يمكنُ جرّ أيّ منطقةٍ إلى مشروعٍ مستقرٍ قابلٍ لِلاستمرارِ إنْ لم يوافقْ أبناءُ هذهِ المنطقة عليهِ،  وَ عليهِ  فإنّ تطبيقَ الإدارةِ الذّاتية في السّويداء يصبحُ قائماً بِشرط أنْ يكونَ بديلاً جماهيرياً وَ نواة منْ أجلِ الانطلاقِ إلى سوريا الموحدة اللامركزية وَ الفيدرالية القائمةُ على أسسِ العدالةِ الاجتماعيةِ وَ المساواة في الحقّوق والواجبات.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إيديولوجيا اللا إيديولوجيا، فكرٌ رقميٌّ منْ دونِ هوية!

قانون الأحوال الشخصية والزواج المدني! ضحاياه الذين لم تأتي سياسة على ذكرهم

مظاهرات كوبا... برهان آخر على بعد الستالينيين عن الماركسية